شبكة هرمية من الشركات المشبوهة متورطة بمحاولة إخلاء الشيخ جراح
باتت مدينة القدس المحتلة محرك الأحداث في جميع المناطق الفلسطينية، في ظل ما تشهده المدينة المحتلة وبلداتها وأحيائها من اعتداءات متواصلة من قبل قوات الاحتلال وعصابات المستوطنين. وتدور المواجهات حول التهديد بالإخلاء الذي يتعرض له أهالي حي الشيخ جراح وحي "بطن الهوى" في سلوان، إذ تواجه عشرات الأسر الفلسطينية خطر الطرد من منازلها المقامة على أرض يطالب بها المستوطنون.
وبعد أن استقرت 28 عائلة فلسطينية في حي الشيخ جراح عام 1956، أملا بأن يكون هذا هو اللجوء الأخير، بعد أن تم تهجيرها من منازلها إثر نكبة عام 1948، تعيش العائلات في الحي المقدسي التي زاد عددها لتصل إلى 38 عائلة منذ ذلك الحين، نكبة متجددة يوميا، ليبرز في هذا السياق، المصادر المشبوهة للأموال الأجنبية التي تُسخّرها المؤسسة الإسرائيلية عبر طرق ملتوية لتهويد المدينة المحتلة.
وكشف تحقيق لمركز "شومريم" الإسرائيلي الذي يُعنى بقضايا الإعلام والديمقراطية، خلال محاولة لتتبع ملكية الشركات التي تسعى للسيطرة على الممتلكات الفلسطينية وتحويلها إلى بؤر استيطانية، تورط شبكة هرمية من الشركات المُسجلة في الخارج، في مخطط تهويد حي الشيخ جراح.
وفيما تحول هذه الشبكة المركبة والمعقدة من الشركات دون التعرف على هوية المسؤول الأول عن تمويل مخططات التهويد في حي الشيخ جرّاح وتحويله إلى بؤرة استيطانية سرطانية داخل المدينة المحتلة، كشف التحقيق عن ملايين الدولارات المحولة من هولندا لصالح هذا المشروع.
كما رصد التحقيق اسم محام مغمور من مدينة نيويورك الأميركية يدعى سيمور براون، يظهر في سجلات معظم هذه الشركات إما كمدير عام أو بصفته صاحب منصب رفيع. في حين كلما تدرجت إلى الأسفل في هرم الشركات المتورطة في تهويد الشيخ جرّاح، تصبح المعلومات أكثر وضوحا، إذ تدار محاولة سيطرة المستوطنين على الشيخ جرّاح عبر شركة "نحلات شمعون" الاستيطانية، المسجلة في نيسان/ أبريل عام 2000.
وفي العام 2003، اشترت "نحلات شمعون" حقوق الملكية بالأرض المقامة عليها منازل العائلات الفلسطينية في حي الشيخ جرّاح من جمعيات استيطانية كانت قد ادعت ملكيتها للأرض عبر الاستحواذ عليها من ملاذات يهودية ادعت ملكيتها للأرض منذ نهاية القرن التاسع عشر، وتحديدا في العام 1885؛ ودفعت "نحلات شمعون" حوالي ثلاثة ملايين دولار للحصول على ملكية الأرض.
وبحسب التحقيق، فإن ممثل الشركة في المداولات القانونية والقضائية ومدير أصولها العقارية يدعى تساحي مامو. وصف مامو بأنه شخصية "بعيدة عن الأضواء وغير معروف لعامة الناس، غير أنه شخصية معروفة ونشطة في الشبكات المعقدة المعنية بشراء الأراضي والمباني في الضفة الغربية والقدس الشرقية".
وكشف تحقيق نشر مؤخرا في ملحق صحيفة "هآرتس" أن مامو، المستوطن في "عوفرا" المقامة على أراضي البلدات الفلسطينية سلواد ويبرود شرق محافظة رام الله والبيرة، نشط منذ منتصف التسعينيات من خلال ما لا يقل عن عشرين شركة أسسها أو ساهم في تأسيسها، من أجل عمليات استحواذ مختلفة عقارات أو أراض في جميع أنحاء الضفة الغربية وفي مدينة القدس.
ولفت التحقيق إلى أن دور مامو كان يتبدل من شركة إلى أخرى، غير أنه ينطوي بشكل أساسي على شراء الأصول وإخلاءها (من سكانها الفلسطينيين)، وأوردت الصحيفة أربع شركات أسسها مامو ("الوطن"، "بني هناحل" – مسجلتان في الإدارة المدنية التابعة لسلطات الاحتلال في المناطق المحتلة عام 1967؛ " سبايس ندلان " – مسجلة في إسرائيل؛ "ليبفس" – مسجلة في الولايات المتحدة).
وأوضح التقرير أن في سجل شركة "نحلات شمعون" لدى مكتب تسجيل الشركات الإسرائيلي، يظهر اسما واحدا، سيمور براون ، بصفته مديرا عاما للشركة. براون ، مواطن كندي يبلغ من العمر 68 عامًا ، يعمل كمحام في شركة براون آند غولدبرغ للمحاماة في نيويورك ، والمتخصصة في الضرائب وصناديق الاستئمان الدولية، علما بأن الصندوق الاستئماني هو أداة تخطيط العقارات التي تنشئ كيانًا قانونيًا لحيازة ممتلكات أو أصول لشخص أو منظمة.
يلعب براون دورًا رئيسيًا في شبكة الشركات التي تحاول تهويد حي الشيخ جراح والسيطرة على منازل العائلات الفلسطينية فيه. ويظهر اسمه بكثافة، في تسريبات وثائق دولية نشرت في السنوات الأخيرة وتتعلق بالملاذات الضريبية، كمدير عام لشركات أجنبية مختلفة، بما في ذلك وثائق بنما، وباربادوس وجزر الباهاما.
وأظهرت وثيقة أوردها مركز "شومريم" أن براون متورط بقضايا أخرى تتعلق بتمويل الاستيطان في المناطق المحتلة عام 1967، إذ كان قد قدّم في العام 2010 قرضًا بقيمة نصف مليون دولار لشركة "بار إيمونا" للمباني، والتي تعمل تحت مظلة حركة "إيمونا" الاستيطانية، وذلك للمساعدة في توطين خمس عائلات في مستوطنة "معاليه أفرايم".
ولفت التحقيق إلى أن مامو وبراون ليسا من مُلاك شركة "نحلات شمعون"، غير أن الشركة الأخيرة مسجلة تحت ملكية شبكة من الشركات في هرم تقبع على رأسه شركة أخرى تدعى "شمعون هتصديك" القابضة والتي تم تأسيسها كذلك في عام 2000. وأكد التحقيق أن سجلات شركة "شمعون هتصديك" القابضة والتي لا تبرز علنا في ما يتعلق بنشاط تسريب الأراضي والعقارات للمستوطنين في القدس، تتضمن اسمًا واحدًا - سيمور براون، بصفته مديرا عاما للشركة.
وفي التسلسل الهرمي للشركات التي تتداخل لتمتلك أسهم شركة "شمعون هتصديك" القابضة المالكة لشركة "نحلات شمعون"، تظهر ثلاث شركات مشبوهة وهي: شركة Trent، التي تأسست في عام 1997 في ليبيريا وتم نقلها في عام 2000 إلى جزر مارشال؛ وشركة "شمعون هتصديق بورتفليو" المسجلة في ولاية ديلاوير في الولايات المتحدة بعد أن كانت مسجلة في هولندا تحت اسم "شمعون هتصديق سي.في.إل.بي".
ويظهر تسجيل شركة "شمعون هتصديق سي.في.إل.بي" أنها أقيمت لأهداف استثمارية في مجال العقارات في مدينة القدس، وسجلت في هولندا عام 2002 قبل أن تتحول إلى ولاية ديلاوير في نفس العام، وتنشئ شراكة مع شركة Trent لتؤسسان معا شركة "شمعون هتصديك" القابضة، المالكة بدورها لشركة "نحلات شمعون" التي حصلت على ما يزعم أنه حقوق ملكية الأرض المقامة عليها منازل العائلات الفلسطينية في الشيخ جرّاح.
ومع تأسيسها تم ضخ مبلغ بقيمة 3 ملايين ونصف المليون دولار لتشغيل شركة "شمعون هتصديك سي.في" الهولندية من 5 مصادر مجهولة مختلفة، غير أن أحد مصادر التمويل تبين أنه من شركة Jasa Beheer BV المسجلة في الملاذ الضريبي في كوراساو، والتي تملك حقوق إدارة الشركة الهولندية، علما بأن الشركة الأخيرة مسجلة بأدارة براون نفسه.