قرار الحركة الإسلامية ليس هو القاعدة وانما الاستثناء..|بقلم: ابراهيم عبدالله صرصور
قرار الحركة الإسلامية فَرَّغَ قانون "القومية" من واحد من أخطر بنوده، وجعل إسرائيل رغما عن أنفها "دولة كل قومياتها" وليس فقط "دولة كل مواطنيها"...
اثبتت التطورات السياسية في اسرائيل ان القائمة العربية الموحدة تشكل "لسان الميزان" او "بيضة القبان" - على الاقل حاليا وفي المدى المنظور - في المعادلة السياسية ذات العلاقة بتشكيل "حكومة التغيير" التي ستُلقي ب نتنياهو الى صفوف المعارضة بعد ايام قليلة..
كان معيار احزاب اليمين ولفترة طويلة جدا في تنافسها فيما بينها، يكمن في مدى اغراقها في انكار ورفض اي دور للعرب واحزابهم في تشكيل حكومة الدولة العبرية "اليهودية" الصهيونية، والمشاركة في اي قرار مصيري تجاه اية تسوية مع العرب عموما والفلسطينيين خصوصا..
ليس هذا فقط، بل تجاوزت احزاب اليمين ذلك الى اتهام اليسار الاسرائيلي ب "الخيانة" ل - "صهيونية" الدولة و "يهوديتها" بسبب موافقتهم على مشاركة العرب في تشكيل الحكومة، واتخاذ القرارات والمشاركة في الاستفتاءات بشأن مستقبل اسرائيل وحدودها في إطار اية اتفاقية سلام محتملة مع الشعب الفلسطيني والامة العربية، او اعتمادهم على الأحزاب العربية ودورها في أكثر من مفترقِ طرقٍ سياسيٍّ في تشكيل كتلة مانعة تعيق اسقاطها...
بدى ذلك واضحا في سلوك المعارضة اليمينية الصهيونية المتطرفة اتجاه حكومة رابين عام 1992م، واتفاق اوسلو الأمر الذي وصل حد اغتيال رابين رئيس الوزراء السابق على يد واحد من هؤلاء اليمين الفاشيين الذين تأثروا بالدعاية المتطرفة التي وصفت رابين ب - النازي"، وألبسته كوفية عرفات، ونظمت ضده المظاهرات والاعتصامات التي دعت الى وقف ما اسمته ب – "الانهيار" بكل طريقة وباي ثمن، وأصدرت في حقه فتاوى دينية تبيح دمه (!פולסה דינורא: وهي طقوس لعنة سحرية يستدعي خلالها المعنيون ملائكة الخراب، ودعوتهم ليعملوا جاهدين موجه من اجل أن يموت الملعون قريبًا.. تتكون الطقوس من قراءة نص مصحوبًا باللعنات ونفخ الأبواق وإطفاء الشموع الشمعية)..
نالت نيران اليمين المتطرف هذه ايضا قياديا يمينيا متطرفا ودمويا (ارئيل شارون) عندما قرر الانسحاب بشكل احادي من قطاع غزة عام 2005م، وتفكيك المستوطنات فيها، واخلائها من الوجود الاسرائيلي تماما، إضافة الى اخلاء بعض المستوطنات العشوائية في الضفة الغربية المحتلة.. ثارت ثائرة اليمين الامر الذي دفع اريئيل شارون رئيس الوزراء الليكودي الى اقامة حزب جديد بعد أن تمرد عليه عدد كبير من نوابه برئاسة نتنياهو، وأقام حزب " كاديما" بالتحالف مع عدد من نواب حزب العمل وغيره، وعلى راسهم شمعون بيريس الذي أصبح في حينه قائما بأعمال رئيس الوزراء شارون...
من اجل ان يتمكن شارون من الانسحاب الأحادي من غزة، طلب دعم الأحزاب العربية. دعمت القائمة العربية الموحدة في حينه (عبدالمالك دهامشه وطلب الصانع) قرار الانسحاب، بينما امتنعت الجبهة والتجمع الوطني عن التصويت، فمر القرار بدعم الموحدة، ولولا تصويتها الى جانب قرار الانسحاب لبيقت المستوطنات والاحتلال جاثما على صدر قطاع غزة الى اليوم..
كان قرار الجبهة والتجمع نابعا من نظرة شعبوية لا علاقة لها بمصلحة الشعب الفلسطيني، ومتناقضا مع رغبته في زوال الاحتلال عن أية بقعة من فلسطين، بينما كان موقف "الموحدة" نابعا من قراءة صحيحة للمشهد، تُغَلِّبُ المصالح العليا للشعب الفلسطيني دون عواطف، ليتبين بعدها صواب قرار الموحدة وتهافت موقف الجبهة والتجمع..
يأتي موقف "الموحدة" اليوم ليذكر بفلسفة الحركة الإسلامية ونظرتها الواقعية للمعادلات، فكان لقرارها الأخير أثره الفوري على الساحة السياسية الإسرائيلية حيث فرض العرب واحزابهم على إسرائيل الصهيونية واحزابها من كل "نكهة" التي كانت ترى في الاعتماد على الصوت العربي "خيانة للصهيونية واليهودية"، ان تعترف مرغمة، بشرعية المجتمع العربي، وان أحدا لا يستطيع من الان فصاعدا تجاهل قوته وحقه في التأثير والتمثيل على حد سواء..
صحيح اننا لا نستمد شرعيتنا من إسرائيل وأحزابها الصهيونية، بل من كوننا اهل البلاد الأصليين، وأصحاب الحق فيها وعليها، وانا قادرون كما فرضا وجودنا رغم سياسات الاقتلاع والتهجير التي مورست علينا منذ النكبة، على فرض شرعيتنا أيضا، وهذا ما وقع فعلا في الأيام الاخيرة..
هذا الاعتراف الإسرائيلي الصهيوني القهري وغير الطوعي (يمينا ووسطا ويسارا) بشرعية المجتمع العربي وممثليه، دفع بالكثير من المرجعيات الصهيونية والقومية الى الإعلان ان "الموحدة" اسقطت عمليا قانون "القومية"، وحولت إسرائيل ليست فقط "لدولة كل مواطنيها" كما يدعو لذلك التجمع، بل "دولة كل قومياتها" وهو أخطر من الأول بكثير..
تفريغ قانون القومية من محتواه، وضربه في مقتل، وتحويل إسرائيل الى "دولة كل قومياتها" امر يستحق التوقف عنده والتأمل فيه بعيدا عن النظارات السوداء والآراء المسبقة، والاعتبارات الحزبية الضيقة والشخصية المقيتة..
ليس هذا فقط، فنحن في الحركة الإسلامية واعون تماما ان الأحزاب الصهيونية إن تمكنت من تشكيل الحكومة وحدها دون الحاجة الى الأحزاب العربية، فلن تتردد في العودة الى طبيعتها العنصرية التي لم تتخل عنها حتى في ظل التطورات الأخيرة التي اضطرتها كُرْها الى الاعتراف بالمجتمع العربي واحزابه، وهذا انجاز لنا لن يستطيعوا الإفلات منه مستقبلا مهما جاءت الظروف مريحة لهم، ولن تكون..
لسنا سذجا حتى نعتقد ان أحزابا يمينية متطرفة يمكن ان تتحول فجأة الى محبة للعرب الفلسطينيين، لكنها "الحاجة الملحة" لهذه الأحزاب من اجل وصولها الى الحكم من جهة، واقصاء نتنياهو عنه من جهة أخرى.. حاجتهم الاضطرارية هذه كان علينا ان نستغلها حتى النهاية من اجل تغيير جذري في السياسات تجاهنا كمجتمع عربي، وتجاه شعبنا ومقدساتنا..
هذا الاجراء الاستثنائي ليس بديلا عن فلسفتنا الكفاحية والنضالية وجهادنا المدني المستمر والمثابر الذي يراكم الإنجازات رغم كل الظروف، بل هو من "لحمها وعظمها وشبكة اعصابها"، ومُكمِّلٌ لها بالتأكيد.. هو في الحقيقة انتهاز لفرص قد لا تعود كتلك الفرص في عهد حكومة رابين، ومثيلتها في عهد حكومة شارون، تتيح الفرصة للأحزاب دونما تنازل عن أي من ثوابتها الدينية والوطنية، في ان تحقق لمجتمعنا العربي في مدة قصيرة ما لا تستطيع تحقيقه خلال سنوات طويلة..
الغاء ضريبة الأملاك، والانسحاب من غزة، كمثلين فقط، تعتبران إنجازان استراتيجيان بكل ما تعني الكلمة من معنى، تم تحقيقها في ظروف استثنائية لولا استثمارها حتى النهاية لما رأيا النور ابدا..
لجم الجريمة والعنف عبر تخصيص ميزانيات وأدوات غير مسبوقة – هكذا نرجو، الاعتراف بالقرى العربية غير المعترف بها في النقب ، إضافة الى قرية دهمش ودار حنون في المركز، وقرى أخرى في الجليل، خطة اقتصادية لتقليص الفجوات ومكافحة البطالة ومحاصرة نسب الفقر، إزالة كل العوائق امام توسيع الخرائط الهيكلية وزيادة مسطحات البناء والمصادقات السريعة على خرائط هيكلية تفي بالاحتياجات الحقيقة لا الوهمية لمجتمعنا العربي، دعم الحكم المحلي العربي بمليارات الشواقل، وغيرها، بعض مما يمكن إنجازه غي هذه اللحظة الحاسمة من تاريخ السياسة الاسرائيلية والتي قد لا تعود ابدا.. انتهاز هذه الفرصة لتحقيق ما لم يكن ممكنا عبر عشرات السنين، دون تنازل عن أي من الثوابت الدينية والوطنية، أمر يفرضه المنطق التفكير السليم، ناهيك عن المسؤولية الدينة والوطنية التي نتحملها جميعا تجاه مجتمعنا العربي الفلسطيني الذي يعاني من أزمات كثيرة ومعقدة..
مع كل ذلك، لا ترى الحركة الإسلامية فيما جرى من تطورات على الموقف الإسرائيلي تجاهنا كمجتمع عربي فلسطيني، نهاية التمييز العنصري والقهر القومي للدولة العبرية، بل هو خطوة على الطريق ليس أكثر... كما ان الحركة الاسلامية ستحتفظ بحقها دائما في قلب الطاولة في وجه الاتفاق الائتلافي عند اول انتهاك للاتفاق او اعتداء على فلسطين ارضا وشعبا ومقدسات في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة.. قرار الحركة الإسلامية ليس هو القاعدة وانما الاستثناء، وستظل القاعدة والمؤشر والمسبار الادق هو ثوابت جماهيرنا وشعبنا الفلسطيني الدينية والوطنية، فهي الملهمة والموجهة دائما دون غيرها...