الاخبار الرئيسية

رمضان في الخواطر والوجدان - بقلم: الشيخ كمال خطيب

تاريخ النشر: 2021-04-09 07:28:00
يوم نت -

ها نحن تفصلنا بضعة أيام عن مطلع شهر رمضان المبارك، الشهر الذي يحبنا ونحبه، شهر رمضان شهر القرآن وشهر القيام وشهر الصدقات وشهر صلة الأرحام وشهر التواصل، والتراحم، وشهر التوبة، والإنابة. الشهر الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: “رمضان أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار”. فاللهم أهلّه علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والفرج والتمكين، والفتح المبين، هلال رشد وخير يا هلال رمضان، ربي وربك الله.

ومع أن الكثيرين من المسلمين والحمد لله يغتنمون رمضان ويجعلونه فعلًا شهرًا للطاعات والقربات إلى الله سبحانه، إلا أن هناك مما يزال يجهل رسالة رمضان ومقاصده، فليس أنه الذي لا يحسن فيه بل أنه الذي يسيء فيه وهو الذي يظن أنه يحسن صنعًا، ولهؤلاء وأولئك كانت هذه الكلمات:

رمضان شهر القرآن، رمضان شهر الإيمان، رمضان شهر الخيرات، رمضان شهر البركات، شهر مبارك يا رمضان، يا شهر التوبة والغفران، يا شهر الصدقة والإحسان، أهلًا أهلًا یا رمضان.

رمضان شهر الرضوان، وشهر إغاثة اللهفان، فيه تفتح أبواب الجنان، تتلألأ فيه القناديل، وينزل بالرحمة جبريل، ويتلى فيه التنزيل، يرخّص فيه للمسافر والعليل، شهر رمضان للعباد، مثل الحرم في أم البلاد “مكة”، الحرم يمنع فيه الدجال اللعين، وفي رمضان تصفد مردة الشياطين.

فيا شهر رمضان المبارك، أعاننا الله على قيامك وصيامك، فلقد جعلك الله لنا هدية، ونعمة منه وعطية، فها نحن نذنب طوال العام، ونرتكب المعاصي والآثام، ولو تركنا الله لذنوبنا لهلكنا، ولولا ستره لافتضحنا، ولكنه صاحب الجود والكرم، الذي أوجدنا من العدم، فجعل لنا مواسم للطاعات، ومحو الذنوب والزلّات، الصيام والجمعة والصلوات، ماحية للذنوب ومكفرات، كما قال صاحب الأنوار والبركات: “والصلاة إلى الصلاة، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفّرات لما بينهما ما اجتنبت الكبائر”.

فمرحبا بك يا رمضان، شهرًا للرحمة والغفران، مرحبًا بك يا سيد الشهور، بل یا سيّد الأيام والدهور، ففيك الليلة الغرّاء، ليلة منّا الدعاء، ومن ربنا الإجابة والعطاء، إنها ليلة القدر، هي خير من ألف شهر، ليلة أنزل فيها القرآن، کتاب الله الحنّان المنّان، نزل به جبريل الأمين، على قلب سيّد المرسلين، فيا نعم الكلام في ليلة السلام.

ما أحلاها صلاة التراويح، ومثلها صلاة التسابيح، ما أجملها ساعة السحور، وأجمل منها ساعة الفطور، ما أبركها جلسة العائلة، والشمس إلى الغروب مائلة، والأكف مرفوعة بالدعاء، تفتح له أبواب السماء، “اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت، ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله” فيا من لأجلك منعنا الطعام، وفواحش القول وسيء الكلام، يا من إذا شتمنا شاتم، قلنا له لأجلك إني صائم، فيا من لأجله حرمنا أنفسنا مما لذّ وطاب، من أكل وشراب، إصرف بجاهك عنا سوء العذاب، يا من لأجلك منعنا أنفسنا الشهوات والمتع، أمّنا يا ربنا يوم الفزع.

رمضان يا شهر الانتصارات، رمضان يا شهر المعارك والفتوحات، ففيك كانت بدر والأحزاب، ما أروع الرمي فيها والضراب، وفيك كان الفتح الأعظم “فتح مكة” يومها أبو سفيان أسلم، وفيك هدمنا الأصنام الأُوَل، العزّی وسواع ومناة وهبل، وفيك كانت عين جالوت وعمورية، يوم استجارت المسلمة السبيّة، واااإسلاماه واااامعتصماه، فقال لها لبيك يا أختاه، وأرسل رسالته المشهورة، بكلمات المجد والعزة مسطورة، من خليفة المسلمين المعتصم، إلى كلب الروم، لآتينك ولو كنت عند النجوم، فليس الجواب عندي شجب واستنكار، فهذا عار وأي عار، وإنما الجواب عندي وفصل الخطاب، أن تحرروا المرأة اليوم يا کلاب، وإلّا فوالذي بعث بالحق محمد، لترين الدنيا فعالي وتشهد.

وفيك يا رمضان فتحنا الأندلس، يوم هاجمهم طارق في الغلس، وقال قولته المشهورة، بأحرف من نور منثورة، أيها الجنود: “العدو أمامكم والبحر وراءكم وليس لكم والله إلا القتال، فإما النصر وإما الشهادة”، وفيك يا رمضان كان فتح بلغراد، يوم سليمان القانوني للجيش قاد، وهيأ العدد والعتاد، لينتقم من لويز الثاني وقادته الأوغاد، “ملك المجر” الذي أمر بقتل السفير، بهمجية ليس لها نظير.

هكذا إذن كنت يا رمضان، فانظر كيف صرنا الآن، إننا أصبحنا كالأيتام، على موائد اللئام، يتجرأ علينا السفلة الأقزام، ولكنها دورة الأيام، {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}.

هكذا كنا في شهر الصيام، ذكر وقرآن وقيام، جدّ واجتهاد وعمل، ليس نوم وقعود أو كسل.

أما وقد أصبح رمضان وللأسف، ليس كما كان في عهد السلف، لا ولا في عهد الخلف، فبعد أن كان شهر الأمجاد والفتوحات، فقد أصبح شهر الطبخ والمأكولات، بعد أن كان شهر التقوى، أصبح شهر الحلوى، فهذه الأطباق والمناسف، وتلك الكنافة والقطايف، تجده يتهدد بالجوع، كأنه المبطون المفجوع، وأما تلك الأم المظلومة فمن كثرة الطلبات مصدومة، فمن الصباح إلى المساء، طبيخ وغسيل وجلاء “جلي”، ومسح وترتيب وكواء، ونسي الزوج والأبناء أنها مثلهم سواء بسواء، فلها أن تتعبد وتقرأ القرآن، وتدعو وتسبح الملك الديّان، وبسبب البطنة وتخليط الطعام، يصاب البعض بالمغص والآلام، فلا عشاء ولا تراویح، ولكنه من الوجع يصيح، وإذا نجا هؤلاء من الآلام، فإنهم لن ينجوا من الأفلام، إنها تلك الآفات، بمئات القنوات، وكلهم لرمضان يستعدون، يتدربون وينفقون، سامعون مطيعون، لذلك الشيطان الملعون، إنه فكّر وقدر، فقتل كيف قدّر، فاختار لعرض الفيلم توقيتًا لهدف قبيح، إنه ليس إلا وقت صلاة التراويح، فمنهم من يصلي في البيت وكفاية، ليشاهد الحلقة من البداية، وأما من إلى المسجد يذهب، فمن نصف الصلاة يهرب، كأن تحته عقرب، أو كأنه يجلس على جمل أجرب، وما كل تلك الخسارة، إلا ليشاهد باب الحارة، إنهم وضعوا لنا أبطالًا، في الأفلام كأبي شهاب والزعيم وأبي عصام، لنظلّ نعيش على الأحلام والأوهام، إذ الأمة بحاجة إلى أبطال حقيقيين، خالد وصلاح الدين، يدكّون الحصون والقلاع، ويعيدون لنا مجدًا قد ضاع.

إنه رمضان موسم الطاعات، أصبح موسم الأفلام والمسلسلات، إنه مناسبة مراجعة النفس، وإحياء الفجر، فأصبح مناسبة الحزازير والفوازير، كان الناس فيه يسمعون المسحّراتي، فأصبح فيه الآن المسهّراتي، إنهم يسهرون حتی السحور، يتكلمون بتوافه الأمور، إنه الحديث في قال وقيل، والنفخ على الأراجيل، ولا تستغربوا إنهن حتى النساء، من سلالة أمنا حواء، ينفخن في الأراجيل، ويشعلن السجائر وينشرن الأقاويل، فيا ربنا رحماك، لا نرجو سوی رضاك، ومن أعجب ما رأيت، وأحزنني حتى بكيت، تلك الفتاة المسلمة، وهي بلا شك صائمة، ولجهلها تظنّ الصيام، امتناعًا عن الشراب والطعام، إنك إذا رأيت لباسها والتبرج، وقد جعلت نفسها سلعة للتفرج، وقد كشفت لحمها والمفاتن، وتعمدت إبراز تلك الأماكن، عندها تجزم وتقول، أهكذا هي بنت الأصول، ووريثة مريم البتول، وفاطمة بنت الرسول، وإذا دار بينك وبينها كلام، وابتدأت بالتحية والسلام، فسرعان ما تحلف وتقسم، وعن هويتها تفصح وتعلم، فهي على دين وإسلام، والكل تمام في تمام، وتقسم بشرفها والصيام، “وحياة شرفي وحياة صياماتي”.

يا أختنا يا حفيدة الرسول، أما سمعتيه وهو يقول، عن صنف من أهل النار، مع الكفرة والأشرار. إنهن النساء المتبرجات، كاسيات عاريات مائلات مميلات، لا يدخلن الجنة ولا يشممن لها الريح، بل إنها تحت أطباق النار تصيح، إنه إذا قال يوم القيامة يا رب أمتي، قال له الله وعزتي، إنا لن نخزيك اليوم في أمتك، فاليوم يوم كرامتك، فإذا سألك الحبيب عن ذلك اللباس الغريب، وقلت لقد كنت مفتونة، ولموضات الغرب مرهونة، “منقادة”، فيقول لن تنالي شفاعتي، فتبكين وتقولين يا شقوتي يا حسرتي.



واحسرتي واشقوتي من يوم نشر كتابيه

واطول حزني إن أكن أوتيته بشماليه

وإذا سئلت عن الخطأ ماذا يكون جوابيه

كلا ولا قدمت لي عملًا ليوم حسابيه

بل إنني لشقاوتي وقساوتي وعذابيه

بارزت بالزلات في أيام دهر خالية

من ليس يخفى عنه من قبح المعاصي خافية



فإذا جاءت العشر الأواخر، فيها يباهي ربنا ويفاخر، بأنه يعتق من النار، كل من لاذ به واستجار، كان فيها الحبيب الهادي، يوقظ أهله للقيام وينادي، “كان النبي ﷺ إذا دخل العشر الأواخر شد المئزر وأحيا ليله وأيقظ أهله”، كان فيها المصطفى المختار، يدعونا للعتق من النار، رمضان أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار”، ففيها ليلة القدر، ليلة خير من ألف شهر، فيها تفتح أبواب السماء، ويستجيب الله للدعاء، فادعوا وتضرعوا في خشوع، وتذللوا وابكوا واسكبوا الدموع، وقولوا له يا ربنا رحماك، عبيدك غيرنا كثير، أما نحن فليس لنا رب سواك.

فيا كثير المعاصي ابك على الذنوب الماضية، يا مبارزًا بالقبائح أتصبر على الهاوية، أسفًا لك إذا جاءك رمضان وما أنبت، واحسرة لك إذا دعيت إلى التوبة فما أجبت، كيف تصنع إذا نودي بالرحيل وما تأهبت، ألست الذي بارزت بالكبائر وما راقبت.

فإذا انتهى رمضان وجاء العيد، وعرف الشقي من السعيد، ولكن ليست السعادة كما جرت العادة، بالبذخ والتبذير، ولبس الناعم والحرير، لا ليس العيد لمن لبس الجديد، إنما العيد لمن طاعاته تزيد، ليس العيد لمن تجمل باللباس والركوب “السيارة”، إنما العيد لمن غفرت له الذنوب.

ولكن للعيد عند بعض الناس معنى آخر، إنه إذا جاء العيد تجهّز وسافر، إنه يأخذ الكبير والصغير، وحتى المقمط في السرير، وإلى شرم الشيخ يذهب، يسبح ويلهو ويلعب، أو إلى عمان والقاهرة يغادر، لحضور حفلات الأكابر، من المطربين والمطربات، الساقطين والساقطات، فيا للعجب العجاب، ممن صلّى وصام وأناب، واستغفر وتاب، فإذا انتهى رمضان، عاد كما كان، ويذهب إلى أماكن العصيان، في شرم الشيخ وعمان، إنه كما قال المثل، كمن صام وأفطر على بصل.

فيا ربنا هذا رمضان قد جاء، وأمة الإسلام في ذلّ وشقاء، اللهم هذا رمضان قد هلّ، وعاد إلينا من جديد وأطلّ، اللهم أهلّه علينا باليمن والإيمان والرخاء، والنصر على الأعداء، اللهم كما في رمضان كانت الإنتصارات، اللهم فأعد علينا تلك الجولات، بنصر وفرج وتمكين، لأمة حبيبك الأمين.

اللهم وهذا الأقصى في حصار، يتهدده الظالمون بالدمار، اللهم إن أيديهم بالشرّ تعمل، يريدون بناء الهيكل، اللهم فردّ كيدهم إلى نحورهم، ونجّ الأقصى يا ربّ من شرورهم، اللهم وأنت الذي وعدت ووعدك الحق، بل وأقسمت بالليل والشفق، {فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ*وَاللَّيلِ وَما وَسَقَ} بأن تظهر دين الإسلام، وترفع الرايات والأعلام، فوق كل أرض وتحت كل سماء، أبى من أبى وشاء من شاء {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}.

فاللهم ونحن في أيام الرحمة، فاكشف عنا يا رب العتمة، اللهم ورسولك الحبيب، يناديك ويهيب، “نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك سخطك والنار”، اللهم فأجرنا من النار وأدخلنا الجنة مع الأبرار يا عزيز يا غفار.

إنها النار يوم القيامة، حيث للمجرم والكافر علامة {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ}، وكلما قال لها العزيز الحميد، هل امتلأت فتقول هل من مزيد، والنار يوم القيامة في غضب، على من أخذ دينه باللهو واللعب، فيأخذ محمد بزمامها، ويقبض على خطامها، فيردّها على أعقابها، وهو يقول ارجعي وينادي أمتي أمتي، فيناديها الملك الجبار، هذا حبيبي محمد سيد الأبرار، فالطاعة الطاعة، لمن له الوسيلة والشفاعة، فتضع جهنم رأسها ذليلة، خاضعة كالحة كليلة “متعبة”، سکون وخمود، بإذن الرب المعبود، لمحمد صاحب الحوض المورود، والمقام المحمود، واللواء المعقود، والكرم والجود، ولو تركها خاتم النبيين، وسيد المرسلين، لأهلكت الخلائق أجمعين، غضبًا لرب العالمين.

اللهم وأنا عبدك الفقير كمال، وقد أتاك بقبيح الفعال، اللهم وأنت تعلم ما لا يعلمه الناس، كم مرة ضحك مني الوسواس الخناس، اللهم وأنت علاّم الغيوب، تعلم ما فيّ من العيوب، فاللهم اغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون، وحرّم جسدي على النار، وأدخلني الجنة مع الأبرار، اللهم شفّع فيّ رمضان، شفّع فيّ القرآن، وشفّع فيّ محمد العدنان، بجودك وكرمك يا حنان یا منان، ولا تخزني يوم يبعثون، يوم لا ينفع مال ولا بنون، ولا تفضحني يوم القيامة، يوم الحسرة والندامة، اللهم ليس مثلي من يسألك الجنة، فأجرني من النار برحمة منك ومنّة، اللهم بجاه رمضان، وجاه القرآن، اللهم بجاه الشهداء والمرسلين، وجاه محمد الأمين، توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين، وفي هذا المقام أتوجه لمن قرأ الكلام، أن يدعو لي بالغفران، والثبات على الإيمان.



ما دعوة أنفع يا صاحبي من دعوة الغائب للغائب

ناشدتك الرحمن يا قارئًا أن تسأل الغفران للكاتب



رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة

والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون


اضف تعقيب