الاخبار الرئيسية

شُبّيك لُبّيك، الشاباك الإسرائيلي بين إيديك - بقلم: الشيخ كمال خطيب

تاريخ النشر: 2021-10-22 08:24:00
يوم نت -

ما زلنا غير بعيدين عن ذكرى هبه القدس والأقصى 28/9/2000، والتي كانت تمثل انعطافة غير مسبوقة في تاريخ شعبنا في الداخل الفلسطيني. ليس لأن شعبنا في الداخل قد أثبت أنه جزء لا يتجزأ من الكل الفلسطيني وأنه قدّم من أبنائه ثلاثة عشر شهيدًا انتصارًا أو دفاعًا عن المسجد الأقصى المبارك، ولكن وزيادة على ذلك وهو الأهم فلئنّ بعد تلك الانعطافة التي فاجأت قاعدة المؤسسة الإسرائيلية فإنه تم اعتماد السياسة غير المعلنة بالعبث بنسيج شعبنا وضربه من داخله عبر فوضى وتسيّب السلاح وغضّ الطرف عن آليات الحصول عليه سعيًا للوصول إلى مجتمع متفكك مضطرب، ليس فقط تعبث فيه النزاعات العائلية بل وتنتشر فيه عصابات وعائلات الإجرام والقتل، وتجارة السلاح والمخدرات وتبييض الأموال.

عشرون سنة فقط عبر هذه السياسة كانت كافية للشرطة وحرس الحدود والشاباك الذين اقتحموا المسجد الأقصى لحماية شارون خلال تدنيسه للأقصى بل والذين قتلوا أبناءنا وسفكوا دمهم في جت وأم الفحم ومعاوية والناصرة وكفركنا وكفرمندا وسخنين وعرابة، وإذا بهم يصبحون في نظر البعض هم خشبة النجاة وطوق الإنقاذ والأمل لتخليص قرانا هذه وغيرها من دوامة العنف ومسلسل جرائم القتل التي باتت تؤرق كل غيور.

نعم إنني أعترف أن مخططهم قد نجح وأن سياستهم قد آتت أكلها حين وصل الأمر إلى حد أن ترتفع أصوات ليس فقط أصوات أهالي الضحايا المكلومين الثكالى للمطالبة بتدخل الشرطة وبكل وسيلة ممكنة لإيقاف شلال الدم، لا بل إن بعض رؤساء السلطات المحلية العربية وحتى أعضاء الكنيست العرب قد أصبحوا يتوسلون مطالبين بدخول الشرطة إلى القرى والمدن العربية وكأنها تنتظر هذا اليوم.

رغم كثرة الاجتماعات الحكومية والتصريحات والخطط التي ادّعوا أنها وضعت لمواجهة العنف والجريمة ورغم إقامة عشرات مراكز الشرطة في قلب القرى والمدن العربية، ورغم صور وكرنفالات الاحتفاء بتجنيد شرطيات عربيات – وحتى أن منهن شرطيات محجبات- ورغم الإعلان عن اقامة لجنة حكومية برئاسة العضو العربي في الكنيست الصهيوني منصور عباس، ورغم إقامة وحدة شرطية تحت اسم “سيف” برئاسة الضابط في الشرطة الإسرائيلية جمال حكروش والتي أعلن عند تشكيلها أن هدفها القضاء التام على مظاهر العنف والجريمة وفوضى السلاح في الداخل الفلسطيني.

لم يقف الأمر عند هذا الحد بل إنه وبسبب فشل كل ما تقدّم ذكره عن قصد وعمد وحيث شلال ونزيف الدم ما يزال مستمرًا، وإذا بالقيادة السياسية وهي الحكومة الإسرائيلية المدعومة من حزب القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس تقرر إقامة وحدة مستعربين ونشرها داخل القرى العربية. وليس هذا وحسب بل إنها بصدد تشريع قانون يجيز اقتحام أي بيت بدون إذن قضائي ومصادرة والاطلاع على الكاميرات الخاصة الموجودة فيه وفي محيطه، في اعتداء سافر على خصوصيات البيوت، لا بل وصل الأمر إلى حد وبعد المطالبة بإدخال الشاباك للقيام بالمهمة وإذا بالحكومة الإسرائيلية تتلقف ذلك سريعًا وتعلن ليس عن إدخال الشاباك بل ووحدات الجيش بدعوى المساهمة في ملاحقة الجريمة ومكافحة العنف في القرى العربية، وكان هذا في جلسة الحكومة يوم الأحد 3/10/2021.

قبلها بيومين اثنين فقط كان قائد وحدة “سيف” لمواجهة الجريمة الضابط جمال حكروش وفي مقابلة معه في صحيفة يديعوت أحرونوت عدد يوم الجمعة 1/10/2021 قد قال: “أنا كعربي إسرائيلي وبشكل قاطع ضد إدخال الجيش إلى القرى العربية لكن الشاباك يجب إدخاله”. وفي نفس اليوم كان عضو الكنيست منصور عباس في تصريح الشهير يقول: “أنا بدي عنب مش بدّي أقاتل الناطور” في إجابة واضحة للصحفي الذي سأله عن رأيه في إدخال الشاباك.

حقًا وصدقًا إنه ينطبق على هؤلاء مثل الذي يأتي بالثعلب إلى كرمه وعند ذلك لن يبقى لا عنبًا ولا يحزنون.

الشرطة، المستعربون، الشاباك، الجيش!! ماذا بقي إذن من مظاهر الحكم العسكري؟ لقد تم حظر الحركة الإسلامية يوم 17/11/ 2015 وإخراجها عن القانون وفق قانون الطوارئ وهو قانون عسكري، وتم اعتقال الشبان الثلاثة ظافر جبارين من أم الفحم وبراء أبو شقرة من الناصرة وعيد حسونة من اللد بقرارات إدارية وليس بأحكام قضائية وهذا كذلك من القوانين العسكرية. لقد استدعوا قوات حرس الحدود من مناطق الضفة الغربية خلال هبة الكرامة في نهاية رمضان/ أيار الأخير ونشروها في مدن اللد وعكا ويافا والرملة وحيفا، وكان هناك تفكير جدي وفق ما صرح به بعض المحللين العسكريين بإيقاف الحرب على غزة في معركة سيف القدس ونقل وحدات من الجيش إلى الداخل الفلسطيني لقمع المواجهات. إنها أفكار ومخططات كانت في رؤوسهم وإذا بها تصبح أمرًا واقعًا بمباركة ومناشدة شخصيات من بعض أبناء شعبنا في الداخل الفلسطيني.

لقد انتهت فترة الحكم العسكري الأولى 1966- 1948 رسميًا ولكنها لم تنته فعليًا حيث كان الشاباك يتحكم فعليًا في كل مفاصل حياة شعبنا بدءًا من إعطاء التصاريح لمن يريد الخروج من قريته للعمل في المدن اليهودية وتصاريح ورخص بناء البيوت، مرورًا في تعيينات المعلمين ومدراء المدارس، وصولًا إلى تحكم الشاباك بميزانيات الدولة وإعطائها للأحزاب العربية المذدنبة للأحزاب الصهيونية لتكون وسيلتها بشراء الذمم. هذا ما ذكره في مقالته المهمة جدًا يوم الجمعة 1/10/ 2021 المحامي -أفيغدور فيلدمان-  في ملحق صحيفة هآرتس التي كانت بعنوان “על ראש השב”כ בוער הכובע – القبعة تشتعل على رأس الشاباك” حيث وصف المحامي فيلدمان الدعوة لتفويض الشاباك في معالجة ظاهرة الجريمة في الوسط العربي بأنه “إن لم يكن حزينًا فإنه مضحك”.

إن تفويض وتكليف الشاباك بهذه المهمة والتي جاءت تحت مطالب وإلحاح شخصيات عربية -لا أظن أبدًا أنها تجهل تداعيات ذلك الطلب- فإنما هي الفرصة الذهبية التي تلقفتها المؤسسة الإسرائيلية، وهي التي دفعت وعملت كثيرًا للوصول إلى هذا اليوم.

يضيف المحامي أفيغدور فيلدمان في مقالته: “إن الحكم العسكري الذي طبّق بين الأعوام 1948-1966 والذي جعل صلاحيات الإمساك بمفاصل الحياة اليومية للفلسطينيين بيد الشاباك قادت إلى السيطرة بواسطة شبكة متراصّة من المخبرين – الفسادين- والعملاء، ومعاقبة كل من يخرج عن الطريق المرسوم عبر الإقالة والطرد من العمل، الاعتقال الإداري، النفي مصادرة ممتلكات وعقارات…..”.

إن وجود وحدة المستعربين ووحدات النخبة من الجيش، ووجود الشاباك فإن ذلك يعني إعادة وجود شبكة مخبرين وفسّادين وعملاء ليس في كل حارة وعائلة وقرية بل وفي كل أسرة، وكل ذلك تحت غطاء محاربة الجريمة مع أن الهدف الأساس هي عملية اختراق وتدمير لهويتنا الدينية والوطنية والاجتماعية.

إن سياسة فوضى السلاح وانفلاته التي جاءت بعد العام 2000 وتحديدًا بعد هبة القدس والأقصى، وارتقاء ثلاثة عشر شهيدًا، كل ذلك ليتحول الشاب الذي تقتله الشرطة الاسرائيلية من شهيد ويصبح رمزًا وأيقونة إلى أن يصبح مجرد رقمًا لمّا يقتل الفلسطيني أخاه الفلسطيني.

ومن هنا يتبين الفارق الهائل في الأرقام، فإذا كان الداخل الفلسطيني وطوال عشرين سنة 1980- 2000 لم يشهد إلا قريبًا من ثمانين جريمة قتل، فإنه بعد العام 2000 وبعد السياسة الجديدة، فبين الأعوام 2000 – 2021 أي خلال عشرين سنة فقط شهد وقوع أكثر من 1400 جريمة قتل، وها نحن خلال العشرة أشهر من العام 2021 فقد تم تشييع أكثر من مئة ضحية وجريمة قتل، أي أنه خلال عشرة أشهر فقد قتل أكثر ممن قتلوا في عشرين سنة.

لا أتردد بالقول أن سياسة الحكومة الإسرائيلية لا تختلف عن سياسة النمرود لمّا قال “أنا أحيي وأميت”، وقد قال في ذلك المفسرون قتادة ومحمد بن اسحاق وغيرهم: “وذلك أنّى أوتي بالرجلين قد استحقا القتل فآمر بقتل أحدهما فيقتل، وآمر بالعفو عن الآخر فلا يقتل، فذلك معنى الإحياء والإماتة”. إنها المؤسسة الإسرائيلية إذن بكافة أذرعها تقرر زيادة نسبة القتل بيننا فيتحقق لها ذلك عبر فوضى السلاح وغض الطرف عن عصابات الإجرام، حتى أن كبار ضباط الشرطة قد صرّحوا قبل شهرين بأن لكبار وقادة هذه العصابات علاقة وحماية من المخابرات والشاباك لأنهم يعملون في خدمتهم، وهذا يعيق عملية ملاحقتهم. إنها إذن هي التي تعطي الضوء الأخضر للقتل -الإماته-، ثم هي تتظاهر بأنها ستعمل على مواجهة عصابات القتل -الإحياء- حتى تصبح بعد ذلك في نظر البعض أنها الاله الذي يجب أن نطيعه ونعبده من دون لله رب العالمين.

إن كل من يثق في سياسات الحكومة الإسرائيلية وخاصة حكومة اليميني بينت صاحب الكيباه “القبعة الدينية” ومن أصبح اليوم شريكًا في هذا الائتلاف وداعمًا له فإنه شريك له في جرائمه بحق شعبنا وبحق المسجد الأقصى، ومن يقف وراء المطالبة بإدخال الشاباك ليرتع في قرانا ومدننا ويتغلغل بين شباب وشابات مجتمعنا فإنما هم شركاء في الجريمة زيادة على شكّي الذي يصل إلى درجة اليقين بأن مشروعًا مشبوهًا يروّج له هؤلاء ويعملون لتنفيذه، وعليه فإذا كان جهاز الشاباك هو مصدر الاستهداف والكيد والعداء التاريخي لشعبنا في الداخل وفي الضفة والقطاع والقدس الشريف، فكيف يتحول اليوم إلى الأمل بالإنقاذ، فكيف سيكون الشاباك هو الخصم وهو الحكم، وكيف سيكون الشاباك هو الدواء مع أنه هو أصل الداء، بل كيف لنا أن نبحث عن الماء عند الشاباك بينما هو النار التي تحرقنا.

لن يطول الزمان حتى نرى ونسمع أن قتلى من شبابنا وفي وسط قرانا وعلى مداخل بيوتنا، بل وأمام أعين أمهاتهم وأطفالهم سيقتلهم الشاباك بدعوى أنهم مشبوهون أو أنهم هاربون من العدالة أو أنهم كانوا يحملون أسلحة ظن الشاباك أنها أسلحة حقيقية مع أنها تكون أسلحة بلاستيكية. نسمع ونرى كثيرين أمثال الشهيد أحمد حجازي ومنير عنبتاوي وإياد الحلاق وخير الدين حمدان، نعم إن التلهف لاستدعاء الشاباك مع علم الجميع بحقيقة دوره وموقفه العدائي من شعبنا فإنه كمن يأتي بالثعلب إلى كرمه، فكيف سيلوم الثعلب إذا أفسد العنب وعبث به؟!

وإذا كان الناس قد اصطلحوا على عبارة “شبّيك لبّيك، عبدك المطيع بين إيديك” بقصد الإشارة إلى سرعة تنفيذ المطالب كما في القصص الخيالية عن فانوس علاء الدين وعن الجنّي الذي يفعل الخوارق، فإنه وبما وصلت إليه السياسة الإسرائيلية بإشاعة السلاح وتمزيق نسيج شعبنا فقد بات البعض لجهل وسذاجة -أو بدوافع أخرى- يريدون منا أن نعلّق الآمال على خلاصنا من هذا الحال على الشاباك وأنه سيأتي بالخوارق التي لم تأت بها الشرطة ولسان حال رجال الشاباك يسخرون منهم ويفركون أيديهم فرحًا ويقولون “شبّيك لبّيك الشاباك بين إيديك!!! ومع ذلك نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا..

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون


اضف تعقيب