جنرال إسرائيلي يرسم سيناريو الحرب المقبلة
نشر موقع “نقابة الأخبار اليهودية JNS” مقالاً للجنرال الإسرائيلي المتقاعد شموئيل تسوكر، نائب المدير العام السابق لمديرية الإنتاج والمشتريات بوزارة الجيش الإسرائيلية؛ جاء فيه:
تتعالى بعض الأصوات في إسرائيل بشكل متزايد للمطالبة باستبدال نموذج “جيش الشعب” للجيش الإسرائيلي بجيش “مهني”.
قبل الخوض في مسألة ما لابد من النظر إذا كانت مثل هذه الدعوات لها ما يبررها أم لا، من المهم الإشارة إلى أن مفهوم جيش الشعب، الذي يعتمد على المجندين وقوات الاحتياط في عملياته القتالية قد تم ترسيخه بقوة من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول ديفيد بن غوريون.
عند إعادة النظر في هذا النموذج اليوم، من المهم أن نأخذ في الحسبان بيئة إسرائيل الخارجية والداخلية وتهديداتها الحالية وطبيعة وجودها قبل تقرير ما إذا كان “قفاز المصارعة” الذي يرتديه جيش الشعب لا يزال يناسب اليد الإسرائيلية أم لا.
غالبًا ما يشير أولئك الذين يدعون إلى تأسيس جيش مهني إلى حقيقة أن الجيوش الغربية من الولايات المتحدة إلى ألمانيا وغيرهما، تعتمد في الأساس على جنود مهنيين ويتساءلون لماذا لا تفعل إسرائيل الشيء نفسه.
حقيقة الأمر أن هذه المقارنة بحد ذاتها خطأ فادح، إذ أن مقارنة إسرائيل بالدول الغربية الأخرى غير منطقي نظراً لأن إسرائيل- من منظور أمني- مختلفة تمامًا عن الدول الغربية النموذجية. لا يوجد بلد آخر في الغرب يواجه تهديدًا خطيرًا ومستمرًا كان في الماضي ويمكن أن يصبح مرة أخرى تهديدًا وجوديًا.
من المستحيل تجاهل النوايا المعلنة للقيادة الإيرانية ولا يمكن لأحد أن يتجاهل الظروف الفريدة التي تواجهها إسرائيل، مثل حقيقة أنه يمكن إطلاق الصواريخ عليها في أي لحظة أو أنها يمكن أن تواجه هجومًا إرهابيًا واسع النطاق.
إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم المهددة بشكل روتيني وعلني بالدمار، لأن الأيديولوجية الإيرانية متمسكة بمسح “الدولة الصهيونية” من الخريطة، وأن أولئك الذين يعلنون بكل ثقة أن المرشد الأعلى لإيران لن يتابع مثل هذه التهديدات يتجاهلون حقيقة أن الجمهورية الإسلامية تعمل بجد لتحقيق هذا الهدف.
إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي تواجه هجمات صاروخية متواصلة على مدنها، والدولة الوحيدة التي تواجه تهديدات يومية من قبل “إرهابيين” تتراوح ما بين هجمات انتحارية وعمليات طعن بالسكاكين.
وهي الدولة الوحيدة في الغرب التي لا تزال حدودها موضع نزاع، حيث يطالب الخصوم بمنازل الملايين من السكان باعتبارها منازلهم.
في ظل هذه الظروف، لا يتعين على إسرائيل امتلاك جيش يتمتع بالجودة والكفاءة فحسب، بل يجب أن يمتلئ هذا الجيش بأفراد متحمسين يدركون أن هناك حاجة ماسة للتضحية بأرواحهم من أجل الدفاع عن الدولة. يجب على جنود الجيش أن يفهموا أن هناك احتمالاً حقيقيا بأن الدولة قد تضطر لخوض الحرب غداً، وأنهم قد يصابون أو يقتلون في ساحات المعارك سواء في الشمال أوالجنوب، وأن هذا في نهاية المطاف، على الرغم من قوة إسرائيل، سيكون بمثابة حرب بقاء وطنية.
في الوقت الذي تعتبر فيه إسرائيل اليوم قوة إقليمية عظمى، فإن ذلك لا يغير الاحتمال الملموس بأن يستيقظ حزب الله صباح الغد ويقوم بخطوات غير محسوبة قد تؤدي إلى الحرب، أو أنه قد يتلقى أوامر إيرانية بتنفيذ هجمات إنتقامية رداً على اغتيال زعيم إيراني ما، على سبيل المثال.
من المتوقع أن يسقط 2500 صاروخ على إسرائيل كل يوم لفترة طويلة خلال صراع إقليمي شامل، يتخلله سقوط أطنان من المتفجرات في شمال البلاد. هذا ليس تهديدًا وجوديًا، ولكنه سيناريو ينطوي على أعداد كبيرة من الضحايا سيعيشون في ظروف الحرب طوال مدة الصراع.
على عكس الجيوش الأعضاء في حلف الناتو، يواجه الجيش الإسرائيلي أعداء متعددين على حدوده. حيث أن إسرائيل لا ترسل جيوشًا مهنية إلى الخارج بالتناوب كجزء من تحالفات دولية. لهذا يجب أن تستعد لخوض الحروب على مقربة مباشرة من المدن والبلدات والقرى الإسرائيلية.
حتى في إسرائيل نفسها، يواجه بعض المواطنين صعوبة في استيعاب هذا الواقع، لا سيما أثناء التصعيد الأمني الذي يشمل في الغالب الجنوب الإسرائيلي فقط. لقد اعتادوا على فكرة أنه حتى في تل أبيب، الخطر يكمن في “الجنوب”، رغم أن ذلك في الواقع يبعد عشرات الكيلومترات فقط.
يجب أن يكون لدى إسرائيل جيش كبير يضم جنودًا متحمسين يفهمون أن واجبهم ليس نظريًا -لا يقتصر على الاحتفالات والمسيرات- ولكن سيأتي وقت سيجدون فيه أنفسهم في حالة حرب. هذه حقيقة مختلفة تمامًا عن الجنود المهنيين الذين قد ينتهي بهم الأمر أو لا ينتهي بهم الأمر إلى الصومال أو أفغانستان والذين لا تتعرض مدنهم الأصلية لنيران العدو.
يتكون الجيش الإسرائيلي في الغالب من المجندين والاحتياطيين الذين يؤدون خدمة إلزامية بموجب القانون مقابل أجر ضئيل. هذا نموذج قديم يقوم على التجنيد الشامل، وهو نفسه مصمم لتوليد الوحدة والمساواة بين المجندين في القوات المسلحة والاستفادة من إمكاناتهم.
أولئك الذين يرغبون في بناء نموذج بديل يجب عليهم أولاً تحليل مسألة ما إذا كان هذا البديل سيصمد في ظل هذه الظروف، وهل سيكون الجيش المهني مستعدًا في حالات الطوارئ للدفاع عن الجميع؟ أم أنه سيلغي كل المزايا التي بنتها إسرائيل حتى يومنا هذا ويفكك “الغيتوات” العرقية والقطاعات لإنشاء كيان جماعي؟
هل سيخلق جيش مهني نفس المستوى من التحفيز أم أنه سيتم التضحية بذلك؟
فالدعوات إلى إنشاء قوة عسكرية مهنية تنجم أساساً عن اعتبارات اقتصادية، وينبغي أن تكون بمثابة نداء تنبيه للجيش الإسرائيلي لزيادة تحسين مستوى الترشيد والإنفاق. لكن الفكرة القائلة بأن جيشًا مهنياً سيحل محل قوة قتالية أكثر تحفيزًا ليس لها نصيب في الواقع، وهي في الأساس غير مناسبة لظروف إسرائيل.
(المصدر: عكا للشؤون الإسرائيلية)