“فورين بوليسي”: طالبان لا تحتاج رضا الغرب أو مساعداته!
نشرت مجلة «فورين بوليسي» مقالًا كتبه عظيم إبراهيم، كاتب العمود في المجلة الأمريكية ومدير معهد نيولاينز للدراسات الإستراتيجية والسياسية، استعرض فيه حقيقة عدم اعتماد طالبان على الغرب، لا سيما بعد أن أحكمت الحركة قبضتها على أفغانستان في الأشهر الأخيرة.
وأشار الكاتب إلى أن قيادات طالبان يتمتعون بدرجة عالية من التنظيم والمرونة والمكر والدهاء قد تمكِّنهم من الاعتماد على أنفسهم لإدارة شؤون البلاد، خاصة بعد الدعم الذي قدمته روسيا والصين للحركة، ما يؤدي بالفعل إلى تفادي أي أحكام قاسية قد يصدرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ضد الحركة، في ظل تمتُّع بكين وموسكو بحق الفيتو.
بيانات ووعود
يستهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى أنه بعد استيلاء حركة طالبان السريع على أفغانستان في ظل انسحاب الولايات المتحدة، أدلى كثير من القادة الغربيين ببيانات عامَّة تحض الحركة على احترام حقوق المواطنين العاديين أو النساء أو الأقليات الدينية، مع وَعْد ضمني يفيد أن اتخاذ هذا الإجراء سيتمخَّض عنه اعتراف بحركة طالبان بوصفها حكومة شرعية في أفغانستان، فضلًا عن استمرار تقديم المساعدات الخارجية الغربية للمجتمع المدني في البلاد. غير أن المشكلة تتمثَّل في أن الغرب لا يتمتَّع بأي نفوذ، وأن حركة طالبان لا تحتاج إلى الاعتراف الغربي أو المساعدات.
ومنذ تكبَّدت طالبان الخسارة في عام 2001، أدركت الحركة أهمية تكوين حلفاء للاستعانة بهم في النزاعات الدولية، فضلًا عن إدراكها أهمية تجنُّب صناعة أعداء. على سبيل المثال، ثمَّة توقُّعات تشير إلى أن الحركة يمكن أن تكف عن التورُّط بصورة أكبر مع الشبكات الجهادية العالمية التي قد تهاجم دولًا أخرى، على غرار ما حدث عندما تورطَّت مع القاعدة في تسعينيات القرن الماضي. ولكنَّها ستكتفي بتجنُّب المواجهة المباشرة مع الغرب. ولا تحتاج الحركة إلى أن تفعل أكثر من ذلك، نظرًا لإقامتها علاقات عمل نزيهة مع قوى أخرى.
ونظرًا لأن معظم البلدان أجْلَت جميع موظفيها الدبلوماسيين أثناء إحراز حركة طالبان تقدُّمًا في الشهر الماضي، هناك استثناءان بارزان لعمليات النزوح الجماعي السريعة: أي الصين وروسيا. وقد دأبت طالبان على إقامة علاقات طيبة مع كلتا الدولتين منذ عِدَّة سنوات حتى الآن، حتى أن موسكو ذهبت إلى حَدِّ تحذير الغرب علنًا من أجل وقْف التدخُّل في شؤون أفغانستان.
كيف تتجنَّب طالبان الانتقادات الغربية؟
ويؤكد كاتب المقال أنه من الواضح الآن أن حركة طالبان نجحت بالفعل في إنشاء شبكة حلفاء ستحميها من توجيه الانتقادات الغربية. وعلاوةً على ذلك، قطعت بكين وعدًا بالفعل لضخ استثمارات في الاقتصاد الأفغاني، لا سيما في مجال إنتاج الموارد الأساسية، التي تأمل طالبان في أن يُعوِّض هذا الانتاج تأثير قَطْعِ المساعدات الغربية. وكان أحد المتحدثين باسم الحركة قد أعلن بالفعل أن الصين هي أوثق حليف لها، بينما تعهَّد الصينيون في المقابل بإرسال بعض المساعدات الإنسانية.
والأهم من ذلك أن الإدارة الجديدة لحركة طالبان يمكن أن تتوقع إقامة علاقات عمل طيبة مع قطر، التي استضافت قيادة طالبان في السنوات الأخيرة، ومع إيران، وهي صداقة غير مُرجَّحَة نشأت في ظل نيران معارضة مُشتركَة اشتعلت في وجه الولايات المتحدة، وهناك علاقة مُرجَّحة أيضًا قريبة مع باكستان، شريطة أن يتمكَّن الطرفان من الوصول إلى حل توافقي بشأن إدارة الحدود المشتركة التي يسهُل اختراقها.
ويمكن أن يدير الحُكَّام الأفغان الجُدُد البلاد إدارة حسنة حتى من دون الحصول على مقعد في الأمم المتحدة، الذي يُمثِّل التعريف الدولي النهائي لكيان الدولة. ومع اعتراف بكين وموسكو، وهما عضوان في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بحركة طالبان وتقديمهما دعمًا لها، تمتلك الحركة صوتين يمكِّنانها من ممارسة حق الفيتو لتخفيف وطأة أي انتقاد مُحتمَل، وهي أداة حرصت كلتا الدولتين على استخدامها في الماضي.
مهارات أعضاء طالبان
وينوِّه المقال إلى أن حركة طالبان لا تُعدُّ مجرد حفنة من المتطرفين. وقد وصل أعضاؤها إلى مكانتهم الحالية لأنهم أثبتوا أنهم يعملون وفقًا لدرجة عالية من التنظيم والمرونة والمكر والدهاء، فضلًا عن أنهم نشطوا في ظل تعرُّض البلاد لمِحنة بسبب إقامتها تحالفات تتغير باستمرار.
وقد أظهروا هذه المهارة من خلال إجراء انقلاب دبلوماسي لضمان عدم وجود حكومة أشرف غني على طاولة المفاوضات في قطر، ثم حصولهم على موافقة إدارة ترامب على الانسحاب الأمريكي بحسب شروطهم الخاصة إلى حدٍ كبير وتأمين إفراج الولايات المتحدة وحكومة كابول عن أكثر من 5 آلاف سجين من السجناء التابعين لطالبان على مدار العام الماضي. وتمثَّلت الشهادة الأخيرة على مهاراتهم الدبلوماسية في سرعة سقوط كابول، التي أُجريَت مفاوضات بشأنها من خلال عديد من عمليات الاستسلام وحدوث تغييرات في الولاءات التي أُنشِئت بصورة واضحة قبل أشهر.
كما انطوى سرعة انتصار حركة طالبان واكتماله على ضمان أن احتمالية ظهور مقاومة ذات مصداقية من نوع التحالف الشمالي في أي وقت قريب بعيدة المنال. وإذا أرادت طالبان الآن أن تنتقم من التعاون مع الاحتلال الغربي، يمكن أن تتَّخذ الحركة هذا الإجراء بطريقتها الخاصة، ولا تستطيع أي جهة في الغرب أن تفعل شيئًا حيال ذلك. ولذلك، تبدو تصريحات القادة الغربيين المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان وتحقيق السلام في أفغانستان تحت حُكم طالبان فارغة من مضامينها تمامًا. ويتمثَّل العامل المُقيِّد الوحيد في الصعوبة التي واجهتها كل حكومة أفغانية في تأمين المناطق الريفية.
ويقول الكاتب في نهاية مقاله: حصلت الولايات المتحدة، من الناحية الفنية، على تأكيدات مكتوبة بشأن هذا الأمر خلال إجراء اتفاق السلام التفاوضي مع طالبان، وبذلك، سيتوفر لواشنطن سبب قانوني لخوض حرب إذا بدأت حركة طالبان في اتخاذ إجراءات صارمة في حق جميع الأفراد والمجموعات التي عارضتها أثناء الاحتلال الغربي. ولكن الحركة تعلم تمام العلم أن الولايات المتحدة أو أي شخص آخر لن يميل إلى تطبيق هذه الأحكام بعد مرور 20 عامًا من الحرب والفشل في أفغانستان. وسوف تشعر الولايات المتحدة وحلفاؤها بالسعادة بعد أن تترك أفغانستان لتواجه مصيرها طالما أن الإجراءات التي تتخذها طالبان ليس لديها أي تداعيات على الغرب. وسوف تتخذ الحكومة الجديدة في كابول ما تشاء من قرارات، بمباركة موسكو وبكين.